mardi 22 mars 2011

المركب الكيميائي "نعمة"أو "نقمة"؟؟

أسال موضوع التلوث البيئي بقابس كثيرا من الحبر ومثل محورا لعديد من الدراسات والحوارات والبحوث الأكاديمية اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا، بالإضافة إلى أنه أضحى على أرض الواقع نواة لمشاريع تنموية ضخمة من حيث القيمة الاقتصادية والاجتماعية العالية ومحط أنظار لتأثير نفايات المركب الكيميائي بقابس على البيئة بمختلف أبعادها بالجهة خاصة أن الواحة البحرية بقابس تعد فريدة من نوعها. غير أن تناول هذا الموضوع الهام اقتصر في كل مرة على جانب دون آخر ودون المزج بين مختلف مكونات هذا الملف ولعل الجانب الإيكولوجي كان له النصيب الأوفر.
وحتى تتكون لدينا صورة واضحة ومجردة عن هذا الملف، بات لزاما علينا الأخذ بكل الزوايا المحيطة به وطرق الجوانب الإيجابية والسلبية إضافة إلى المشاريع المنجزة في الغرض والنظرة الاستشرافية ذات الصلة.
تم إنشاء المركب الكيميائي بقابس منذ بداية سبعينات القرن الماضي على بعد 2 كلم من المدينة ومحاذ لمعتمدية غنوش ويمتد حاليا على مساحة تقدر بـ 828 هكتارا ويمتد على طول حوالي 3 كلم من الشريط الساحلي لخليج قابس ويحتوي هذا المركب الضخم على 9 مصانع وعلى ميناء تجاري ضخم.

: ثقل صناعي واقتصادي واجتماعي مميز .
وتتنوع الصناعات الكيميائية وتتعدد على اختلاف المصانع المنتصبة على ضفاف خليج قابس لعل أهمها وحدات تحويل مادتي الفسفاط والكبريت إلى حوامض أهمها الحامض الفسفوري وإلى أسمدة كيميائية فلاحية والوحدات الأخرى التابعة للمجمع الكيميائي التونسي وشركة الكيمياء وشركة تيماب ، ويحتل المركب الصناعي بقابس ثقلا صناعيا واقتصاديا هاما وطنيا وجهويا حيث تحتل صادراته النصيب الأوفر من صادرات الجهة بنسبة سنوية تفوق 90 %.
ويبرز بشكل ملحوظ دور عائدات المركب الكيميائي بقابس في دعم الحركة الاقتصادية وطنيا حيث يساهم بنسبة عالية في الدخل الوطني من العملة الصعبة وقدرت صادرات المركب الكيميائي بقابس عبر الميناء التجاري خلال سنة 2009 بحوالي 1052 مليون دينار . كما يحتوي على طاقة تشغيلية هامة تقدر بأكثر من 6000 موطن شغل بين مباشرين وغير مباشرين ، وتضمن العيش الكريم لآلاف العائلات إضافة إلى تسببه مباشرة في خلق فرص تشغيلية متجددة وإحداث استثمارات وشركات مناولة وصيانة صناعية على هامش الوحدات الصناعية.
وقد انخرط المجمع الكيميائي التونسي باعتباره أحد أكبر مكونات المركب الكيميائي بقابس في مسار التنمية الشامل من حيث عديد المشاريع والاستثمارات التنموية الشاملة المتعلقة أساسا بالبنية التحتية والعمل الجمعياتي وغيره من المساهمة الفاعلة للنهوض بالجهة اقتصاديا واجتماعيا.
كما يتركز وسط هذا المركب، ميناء قابس التجاري الذي يعتبر أحد أهم الآليات اللوجستية لتصدير المواد الكيميائية المصدرة لمختلف القارات حيث يساهم بنسبة 25% من مجمل حجم الصادرات الوطنية المنقولة بحرا فيما يمثل معدل المبادلات التجارية السنوية أكثر من 4 ملايين طن وبنسبة 18 % من حجم المبادلات التجارية عبر المواني التونسية إذ يستقطب ميناء قابس التجاري أكثر من 600 سفينة سنويا.
:أبعاد التلوث البيئي..
هذا القطب الصناعي إلى جانب مساهمته الفاعلة اقتصاديا واجتماعيا على المستوى الجهوي والوطني، فإن المواد الكميائية المحولة تخلف نفاياتها آثارا وخيمة على الإنسان والبيئة بأبعادها الثلاثة برا وبحرا وجوا.
ينتج عن تحويل مادة الفسفاط انبعاث غازات لها مضار واضحة على الهواء على غرار الأمونيا والتلوث الهوائي للكبريت «البخارة» ويتسبب تلاقح هذه الغازات السامة بالغلاف الهوائي في عديد الأمراض لدى الإنسان المتعلقة أساسا بالجهاز التنفسي والهيكل العظمي وأمراض الحساسية بالإضافة إلى التأثير السلبي على عديد الغراسات والنباتات خاصة المحيطة بفناء المركب الكيميائي كالواحات المتواجدة بمنطقة غنوش وبوشمة ومنطقة شط السلام.
وتبقى مادة الفسفوجيبس المادة الأكثر تلويثا وخاصة لمياه البحر والثروة السمكية بخليج قابس حيث كانت الكميات الملقاة سابقا بمياه خليج قابس من مادة الفسفوجيبس من قبل وحدات المركب الكيميائي مرتفعة جدا مما تسبب من ناحية في تصحر قاع البحر بخليج قابس وترصيفه بطبقة سميكة من هذه المادة المتصلبة وبالتالي القضاء على عديد النباتات البحرية مما أثرا سلبيا على الثروة السمكية بالجهة ولوث مياه البحر بالحوامض.

: «المستحيل ليس تونسيا»
وحيال ما يحققه المركب الكيميائي بقابس من ميزات تفاضلية اقتصاديا واجتماعيا من ناحية وما تخلفه نفاياته من أضرار وتلوث بيئي من ناحية أخرى خاصة مع تفاقم مظاهر الأضرار على الواحة والإنسان خلال السنوات الفارطة، برزت ضرورة التدخل لمعالجة هذه الوضعية الحساسة جد ا حيث اهتم سيادة رئيس الجمهورية شخصيا بهذا الملف وأولاه عنايته الموصولة بهدف حماية الإنسان وضمان العيش الكريم لكل مواطن في كل شبر من أرض الوطن وحماية الاقتصاد الوطني وضمان انخراط البلاد في الثورة التكنولوجية والعلمية العالمية حيث تتجلى أبعاد المعادلة الصحيحة بين مردودية القطب الصناعي اقتصاديا وأهمية الوضع الإيكولوجي السليم.
وضمن هذا التوجه وعلى غرار مشروع تبرورة بصفاقس الذي بات مثالا حيا وتوجها سليما سلكته الدولة للقضاء النهائي على تلوث مدينة صفاقس ، تتالت الدراسات بالتنسيق بين وزارة البيئة والتنمية المستديمة والبنك الدولي وإدارة المجمع الكيميائي التونسي وخبراء أجانب وتونسيين منذ سنة 2005 بغاية القضاء على التلوث البيئي بمدينة قابس وإعادة الحياة لقاع البحر من خلال إعادة تشجيره حتى يستعيد ثرواته السمكية باعتماد أحدث التكنولوجيات العالمية.وكانت جلسة المجلس الجهوي الممتاز لولاية قابس بتاريخ 23 سبتمبر 2009 تحت إشراف سيادة رئيس الجمهورية، حبلى بالقرارات الرائدة والمشاريع العاجلة والمؤكدة للتخلص من معضلة التلوث البيئي بقابس ومصالحتها مع المحيط حيث أذن سيادته بمعالجة موضوع التلوث البحري بمادة الفوسفوجيبس بخليج قابس معالجة جذرية وذلك بالاعتماد على دراسات عالمية لكفاءات فنية مختصة نظرا لصبغة المشروع وتعقيداته ولاسيما بسبب طول المسافة الرابطة بين المخشرمة وغنوش لنقل الحامض الفوسفورى المحول والمقدرة باثنين وعشرين كيلومترا وهى أطول مسافة موجودة بالعالم في هذا المجال. كما أذن بالشروع في انجاز وحدة جديدة لتقليص انبعاثات غاز الأمونوياك بمصنع «داب» بغنوش وبالانطلاق في مقاومة التلوث الهوائي للكبريت بميناء قابس وفى انجاز برنامج للتشجير يحيط بمصانع المجمع الكيميائى بقابس.
وإيمانا منا بفلسفة النظر للنصف المملوء من الكأس، فإن كل الجهة تتطلع بإيجابية للإسراع في إنجاز المشاريع المبرمجة، إلى جانب الإسراع في إحداث المنطقة السياحية بشط الحمروني على مساحة تقدر بحوالي 325 هكتارا وطاقة استيعاب تقدر بحوالي 10 آلاف سرير ومركبات سياحية عالية الجودة، مما يقدمها كعنوان صريح لرفع التحديات في مزاوجة بين قطبين اقتصاديين أحدهما صناعي والآخر سياحي من ذوي القيمة المضافة العالية، وتأكيدا جازما على عزم الإرادة السياسية إكساب مدينة قابس بعدا سياحيا هاما وتثمين الموقع الجغرافي وخصوصية الواحة البحرية والجبلية والصحراوية الفريدة من نوعها لتتجلى مصالحة المدينة مع محيطها في أحلى صورة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire